عـبد الحكيم عامر ينتحر فى 13 / 9 / 1967 ومحاكمة شمس بدران وزير الحربية
انتحار عبد الحكيم عامر
يقول محمد عبد الغنى الجمسى فى مذكراته ( وبينما كنت أجلس مع اللواء أحمد إسماعيل ليلا فى جبهة القناة نراجع-كالمعتاد يوميا ـ نشاط العدو فى سيناء ونواياه فى الفترة القصيرة القادمة ، وكذا نتائج أعمال قواتنا ، قبل أن يتوجه كل منا إلى خندق النوم المخصص له ، دق التليفون وكان المتحدث هو الفريق أول محمد فوزى من القاهرة .
كان هدف المكالمة هو إخطارنا بانتحار المشير عامر فى منزله بمادة سامة شديدة المفعول كان يخيفها ملاصقة لجسمه تحت الملابس الداخلية ، ولكن الكشف الطبى أجرى عليه بواسطة لجنة طبية على مستوى عال بالدولة ، وانه سيعامل معاملة أى منتحر آخر بالنسبة لتشييع جنازته بعد تسليم الجثة لأسرته . ومعنى ذلك أنه لن تكون هناك أى مراسم عند تشييع الجنازة .
أخذ اللواء أحمد إسماعيل يناقشنى فى رد الفعل المنتظر لهذا الحادث بين القوات فى الجبهة ، ووصلنا إلى نتيجة مؤكدة هى ان انتحار المشير عامر لن يكون له تأثير عام فما زالت حرب يونيو باحداثها ونتائجها المريرة تترك أثرها العميق فى نفوس كل العسكريين بعد ان فقدنا سيناء ، واستشهد لنا الآلأف من رجال القوات المسلحة ، ولم يكن احد قد نسى دوره فى الهزيمة كقائد عام للقوات المسلحة . واستعدنا معا الحالة السيئة التى وصلت إليها القوات المسلحة فى ظل قيادته ، وكان ذلك سببا رئيسيا من أسباب الهزيمة.
وأصدر النائب العام قراره فى الحادث يوم 10 / 10 / 1967 وجاء فيه " وبما أنه مما تقدم يكون الثابت أن المشير عبد الحكيم عامر قد تناول بنفسه عن بينة وإرادة مادة سامة بقصد الانتحار ، وهو فى منزله وبين أهله يوم 13/ 9/1967 ، قضى بسببها نحبه فى اليوم التالى ، وهو ما لا جريمة فيه قانونا . لذلك نأمر بقيد الأوراق بدفتر الشكاوى وحفظها إداريا ".
وكان ذلك هو المصير النهائى للمشير عامر ، الذى كان برتبة رائد عند قيام ثورة 23 يوليو 1952 ، وبعد أقل من عام ترقى لرتبة اللواء مع تعيينه قائدا عاما للقوات المسلحة فى 18 يوينو 1953 ثم ترقى بعد حوالى 5 سنوات إلى رتبة المشير فى 20 فبراير 1958 ، وأصبح نائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة ) ـ لواء محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة عمليات حرب أكتوبر 1973.
محاكمة شمس بدران
يقول محمد عبد الغنى الجمسى فى مذكراته ( وجاء الدور على شمس بدران وزير الحربية بتقديمه للمحاكمة ، وأثناء هذه المحاكمة فى فبراير 1968 سأله رئيس المحكمة عن رأيه فيما حدث ، وترتب عليه هزيمة يونيو ، رد قائلا " لما تطور الموقف ، ورأينا أننا لازم نسحب البوليس الدولى ـ قوات الطوارىء الدولية ـ علشان نبين إن إحنا جاهزين للهجوم ، لأن وجود البوليس الدولى يمنع أى عملية دخول لقواتنا ، وانسحب البوليس الدولى ، استتبع ذلك احتلال شرم الشيخ الذى استتبع قفل خليج العقبة.
وكان الرأى أن جيشنا جاهز للقيام بعمليات ضد إسرائيل ، وكنا متأكدين 100 % إن إسرائيل لا تجرؤ على الهجوم أو اخذ الخطوة الأولى أو المبادرة بالضربة الأولى ، وأن دخول إسرائيل أى عملية معناها عملية انتحارية لأنها قطعا ستهزم فى هذه العملية ".
ولما سألته المحكمة مستفسرة عن رأيه فى أن الرئيس عبد الناصر قرر قفل خليج العقبة بعد أن أخذ تمام من القائد المسئول ، رد شمس بدران قائلا " القائد العام ـ المشير عامر ـ أعطى تمام وقال أقدر أنفذ ، وبعدين من جهة التنفيذ كان صعب عليه ".
علق رئيس المحكمة على كلام شمس بدران بقوله " والله إذا كانت الأمور تسير بهذا الشكل وتحسب على هذا الأساس ، ولا تكون فيه مسئولية الكلمة ومسئولية التصرف ، يبقى مش كثير اللى حصل لنا") ـ من مذكرات لواء محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات خلال حرب أكتوبر 1973.
المصدر : حرب أكتوبر 1973 مذكرات محمد عبد الغنى الجمسى ـ الطبعة الثانية عام 1998
إغراق المدمرة إيلات فى 21 أكتوبر عام 1967
إغراق المدمرة إيلات
يقول محمد عبد الغنى الجمسى فى مذكراته ( وجاء يوم 21 اكتوبر 1967 وقد وصلت إلى مركز قيادة الجبهة بعد راحة ميدانية ، فوجدت اللواء أحمد إسماعيل ومعه العميد حسن الجريدلى رئيس عمليات الجبهة (وقد كنت أنا وقتها رئيس أركان للجبهة) يتابعان تحركات المدمرة الإسرائيلية إيلات بالقرب من المياه الإقليمية لمصر فى المنطقة شمال بورسعيد . كانت المعلومات تصلنا أولا بأول من قيادة بورسعيد البحرية التى كانت تتابع تحركات المدمرة ، وقد استعدت قوات القاعدة لمهاجمة المدمرة عندما تصدر الأوامر من قيادة القوات البحرية بالتنفيذ . وظلت المدمرة المعادية تدخل المياه الإقليمية لفترة ما ثم تبتعد إلى عرض البحر ، وتكرر ذلك عدة مرات بطريقة استفزازية وفى تحرش واضح ، لإظهار عجز قواتنا البحرية عن التصدى لها.
وبمجرد أن صدرت اوامر قائد القوات البحرية بتدمير هذه المدمرة عند دخولها المياه الإقليمية ، خرج لنشان صاروخيان من قاعدة بورسعيد لتنفيذ المهمة . هجم اللنش الأول بإطلاق صاروخ أصاب المدمرة إصابة مباشرة فأخذت تميل عل جانبها ، وبعد إطلاق الصاروخ الثانى تم إغراق المدمرة الإسرائيلية " إيلات " شمال شرق بورسعيد بعد الخامسة مساء يوم 21 أكتوبر 1967 وعليها طاقمها . وقد غرقت المدمرة داخل المياه الإقليمية المصرية بحوالى ميل بحرى.
عاد اللنشان إلى القاعدة لتلتهب مشاعر كل قوات جبهة القناة وكل القوات المسلحة لهذا العمل الى تم بسرعة وكفاءة .. وحقق تلك النتيجة الباهرة.
لقد كان إغراق المدمرة إيلات بواسطة صاروخين بحريين سطح / سطح لأول مرة ، بداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية والقتال البحرى فى العالم واصبح هذا اليوم ـ بجدارة ـ هو يوم البحرية المصرية.
طلبت إسرائيل من قوات الرقابة الدولية أن تقوم الطائرات الإسرائيلية بعملية الإنقاذ للأفراد الذين هبطوا إلى الماء عند غرق المدمرة . استجابت مصر لطلب قوات الرقابة الدولية بعدم التدخل فى عملية الإنقاذ التى تمت على ضوء المشاعل التى تلقيها الطائرات ، ولم تنتهز مصر هذه الفرصة للقضاء على الأفراد الذين كان يتم إنقاذهم) ـ لواء محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة عمليات حرب أكتوبر 1973.
المصدر : حرب أكتوبر 1973 مذكرات محمد عبد الغنى الجمسى ـ الطبعة الثانية عام 1998
صدور قرار مجلس الامن رقم 242 فى 11 نوفمبر 1967
مارس 1969 بداية حرب الاستنزاف
يوم 22 يناير 1970 عبد الناصر يسافر إلى موسكو لطلب معدات دفاع جوى للسيطرة على الطائرات الإسرائيلية
عبد الناصر يسافر إلى موسكو لطلب معدات دفاع جوى
يقول محمد عبد الغنى الجمسى فى مذكراته ( استشعر الرئيس عبد الناصر خطورة الموقف منذ بدأت إسرائيل فى قصف الأهداف المدنية والعسكرية فى عمق الدولة ـ ففى يناير 1970 أغارت الطائرات الإسرائيلية على مناطق التل الكبير وإنشاص ودهشور وبعض مدن الدلتا . وفى فبراير وجهت إسرائيل هجماتها الجوية على منطقة أبو زعبل وحلوان ، وكانت الخسائر المصرية فى منطقة أبو زعبل حوالى سبعين شهيدا من المدنيين . وفى إبريل أغارت الطائرات الإسرائيلية على مدرسة بحر البقر حيث استشهد لنا حوالى ثلاثين تلميذا ـ فسافر عبد الناصر إلى موسكو يوم 22 يناير 70 وظل بها حتى يوم 25 لشرح الموقف للاتحاد السوفيتى ، وطلب أسلحة ومعدات دفاع جوى ـ صواريخ وطائرات ورادارات ـ أكثر تقدما مما كان متيسرا لدينا حينئذ )ـ لواء محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات بحرب أكتوبر 1973.
ويقول الفريق أول محمد فوزى الذى رافق ومعه لجنة عسكرية الرئيس عبد الناصر فى هذه الرحلة ( كان أهم لقاء تم مع القادة السوفيت منذ عام 1967 ، إذ تعمد الرئيس عبد الناصر تصعيد المباحثات وتوتيرها لدرجة أنه هدد أمام القادة السوفيت بترك الحكم لزميل آخر يمكنه التفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية ، إذ أن الشعب فى مصر يمر الآن بمرحلة حرجة . فإما نسلم بطلبات إسرائيل او نستمر فى القتال . وإن دفاعنا الجوى فى الوقت الحاضر لا يتمكن من منع غارات إسرائيل على العمق المصرى.
واسترسل الرئيس عبد الناصر فى طلب وحدات كاملة من صواريخ سام 3 بأفرادها السوفيت ، وأسراب كاملة من الميج 21 المعدلة بطيارين سوفيت ، وأجهزة رادار متطورة للإنذار والتتبع بأطقم سوفيتية.
وبرر الرئيس عبد الناصر طلبه بان الزمن ليس فى صالحنا لأن تدريب الأطقم المصرية والطيارين المصريين على الأسلحة الجديدة سوف يستغرق وقتا طويلا . كما كرر الرئيس طلب طائرات قاذفة لردع إسرائيل ، حيث أن مدى عمل الطائرات القاذفة المقاتلة الموجودة لدينا لا يمكنها من الوصول إلى عمق إسرائيل مثل الطائرات سكاى هوك والفانتوم التى تضرب عمق مصر حاليا.
وفى جلسة المباحثات يوم 25 يناير 1970 ، أعلن الرئيس بريجينيف موافقة اللجنة المركزية ومجلس السوفيت الأعلى على طلب الرئيس عبد الناصر . وقال إنها أول مرة يخرج فيها جندى سوفيتى من الاتحاد السوفيتى إلى دولة صديقة منذ الحرب العالمية الثانية . وقرأ البيان الذى يتلخص فيما يلى : ـ
أولا : ـ إمداد مصر بفرقة كاملة من صورايخ سام 3 بأفرادها ومعداتها وأجهزتها على أن تصل إلى موانىء مصر خلال شهر واحد ، وأن تعمل تحت القيادة المصرية لأغراض الدفاع الجوى عن العمق المصرى.
ثانيا :ـ إمداد مصر بقوة ثلاث لواءات جوية من 95 طائرة ميج 21 معدلة بمحرك جديد ، بالقادة والطيارين والموجهين والفنيين السوفيت ، وأجهزتها وراداراتها للإنذار والتوجيه والمعدات الفنية والعربات ، وأن توضع تحت القيادة المصرية للمساهمة فى الدفاع الجوى عن العمق المصرى على أن تصل خلال شهر . بالأضافة إلى 50 طائرة سوخوى 9 ، وعدد 10 طائرات ميج 21 تدريب ، وعدد 50 موتور طائرة ميج 21 معدلة من نوع جديد لتركيبه فى الطائرات ميج 21 الموجودة فى مصر.
ثالثا : ـ إمداد مصر بأربعة اجهزة رادار ب 15 لرفع كفاءة الأنذار الجوى فى شبكة الدفاع الجوى المصرى.
رابعا :ـ تقوم مصر بتجهيز الدفاعات والتحصينات والمرافق الانشائية لهذه المعدات بحيث تكون جاهزة فى الأماكن التى تخططها القيادة العسكرية المصرية قبل وصول هذه المعدات السوفيتية إلى مصر.
خامسا :ـ يعتبر تواجد الجنود السوفيت فى مصر مؤقتا لحين استكمال تدريب اللواءات المصرية من قوات الدفاع الجوى والقوات الجوية فى مراكز تدريب الاتحاد السوفيتى والجمهورية العربية المتحدة فى وقت واحد ، وعندئذ يعود الأفراد السوفيت إلى وطنهم.
وكرر الرئيس بريجينيف على واجبات لواءات الدفاع الجوى والقوات الجوية أن تكون فى عمق مصر ) ـ فريق أول محمد فوزى من كتاب حرب السنوات الثلاث 1967 حتى 1970.
المصدر : حرب أكتوبر 1973 مذكرات محمد عبد الغنى الجمسى ـ الطبعة الثانية عام 1998
انتهاء مصر من شبكة الدفاع الجوى فى ساعات الليل السابقة للواحدة صباح يوم الثامن من اغسطس 1970 ، مبادرة روجرز وزير الخاجية الامريكية فى ذلك الوقت ووقف إطلاق النار يوم الثامن من أغسطس 1970، ونهاية حرب الاستنزاف
شبكة الدفاع الجوى ومبادرة روجرز
يقول محمد عبد الغنى الجمسى فى مذكراته ( واستعداد لوصول أسلحة ومعدات الدفاع الجوى الجديدة من الاتحاد السوفيتى ، كان لابد من بناء التحصينات اللازمة تحت ضغط غارات العدو الجوية نهارا وليلا
بدأ تنفيذ وإنشاء التجهيزات الهندسية والدفاعية للدفاع الجوى والقوات الجوية ، وهو عمل اشتركت فيه جميع شركات المقاولات المصرية للبناء والتشييد والطرق بالتعاون مع سلاح المهندسيين العسكريين بقيادة اللواء مهندس جمال محمد على
ودار صراع رهيب بين إرادتين ، الطائرات الأسرائيلية تركز جهودها لمنع مصر من إنشاء التحصينات والمواقع تمهيدا لإدخال الصواريخ المضادة للطائرات فى منطقة قناة السويس ، بينما تحشد قوات الدفاع الجوى المصرى كل ما تملك من اسلحة المدفعية المضادة للطائرات لحمايتها حتى يستمر الإنشاء والبناء
تطلب هذا العمل جهدا ضخما وتضحيات كبيرة فى أرواح العاملين المدنيين والعسكريين تحت أصعب الظروف . وكانت الطائرات الإسرائيلية تهاجم الإنشاءات لتدمير أو إيقاع الخسائر فيما يتم إنشاؤه ، وبمجرد انتهاء الغارة الجوية يستأنف العاملون عملهم ، ولا يتوقف العمل نهارا وليلا تحت حماية المدفعية المضادة للطائرات والطائرات من طراز ميج
لقد وصل حجم الأعمال الهندسية التى نفذت لصالح الدفاع الجوى بين القاهرة ومنطقة القناة وباقى انحاء الجمهورية .. 1.6 مليون متر مكعب من الخرسانة المسلحة ، 1.4 مليون متر مكعب من الخرسانة العادية ، 12.5 مليون متر مكعب من أعمال الأتربة ، ومئات الكيلومترات من الطرق الأسفلتية والطرق المثبتة بمواد تثبيت . وبلغ حجم الأنفاق فى الأيام الأولى من العمل حوالى مليون جنيه فى اليوم . كانت هناك خطة تنفيذ عمل مواقع الصواريخ خلال أربعين يوما ، وصمم العاملون على اتمامها ، وكان لهم ذلك بعد 39 يوما
ثم تقدمت أمريكا بمبادرة روجرز وتقضى المبادرة التى أعلنتها أمريكا يوم 19 يونيو 1970 بإيقاف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل لمدة تسعين يوما ، وأن يستأنف السفير يارنج عمله لوضع قرار مجلس الأمن 242 موضع التنفيذ
وافقت مصر وإسرائيل على قبول المبادرة ، على أن يسرى وقف النيران اعتبارا من الساعة الواحدة من صباح يوم الثامن من أغسطس 1970 بتوقيت القاهرة ولمدة تسعين يوما
ونص الاتفاق على أن يمتنع الطرفان عن تغيير الوضع العسكرى فى داخل منطقة التى تمتد خمسين كيلومترا شرق وغرب القناة . ولا يحق للطرفين إدخال أو إنشاء اية مواقع عسكرية فى هذه المناطق ، ويقتصر أى نشاط على صيانة المواقع الموجودة وتغيير وإمداد القوات الموجودة فى هذه المناطق
قامت مصر باستكمال تجهيز المواقع الضرورية لشبكة الدفاع الجوى ، وتم ذلك بسرعة ومجهود كبير فى ساعات الليل السابقة على الواحدة صباح يوم 8 أغسطس ـ موعد سريان وقف إطلاق النار ، ووجدت إسرائيل نفسها صباح اليوم التالى امام شبكة متكاملة من مواقع صواريخ الدفاع الجوى فى صورته النهائية دون خرق بنود الاتفاق بمجرد سريانه )ـ لواء محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة عمليات حرب اكتوبر 1973
المصدر : حرب أكتوبر 1973 مذكرات محمد عبد الغنى الجمسى ـ الطبعة الثانية عام 1998